Arbeit Macht Frei

“العمل يجعل الإنسان حراً”.

العبارة السابقة قد يكون من المنطقي أن تراها في كتاب من كتب التعليم الإبتدائي المصممة ببراعة لغرس الغباء في عقول الصغار، أو قد تسمعها في خطبة أعدت للإستهلاك المحلي من قبل أحد السياسيين، و لكنها لم تظهر في هذا أو ذاك. العبارة كانت مكتوبة بالألمانية (Arbeit Macht Frei) علي أبواب معسكرات الإعتقال النازية التالية: داخاو، أوشفيتز، تيريزين و ساخسنهاوزن. معسكر بوخانفالد كان مختلفاً، فقد حملت بوابته العبارة اللاتينية “لكل ما يستحقJedem das Seine” و التي كانت أحد مباديء العدالة في الثقافة اليونانية القديمة. ربما تحقق هذا المبدأ فعلياً حين إستولي السوفيت علي المعسكر و سجنوا فيه الألمان.

[caption id=“attachment_263” align=“aligncenter” width=“576” caption=“بوابة معسكر أوشفيتز لا تزال تحمل العبارة إلي اليوم”]

بوابة معسكر أوشفيتز
Arbeit_Macht_Frei
[/caption]

عبارة “العمل يجعل الإنسان حراً” وضعت علي أبواب المعتقلات النازية بأمر من ( تيودور أيك) المسئول عن معسكرات الإعتقال في عهد النازيين، و هي في الأصل أحد الشعارات التي تبناها الحزب النازي.

قرأت عن هذه العبارة منذ ما يزيد من سنة و لكنها قفزت إلي ذهني منذ بضعة أيام و لا أعلم لماذا. تذكرتها و تذكرت ما قاله أحدهم ( لا أتذكر من هو للأسف) أن أحد السجون في عهد عبد الناصر كان بها لافتة معلقة علي أحد الجدران عليها عبارة “إرفع رأسك يا أخي فقد ولي زمن الإستعباد”. من المنطقي أن البشر لا يمكن وضعهم في قوالب جاهزة و لكن يبقي أن هناك نوع من التكرار أو التشابه في سلوكيات فئات معينة من البشر. هنا يمكن أخذ العبارتين كمثال علي شخصيات متكررة تحمل مزيج من الغباء العسكري و نفاق السلطة و بالطبع كم كبير من اللادمية. تيودور أيك كان معروف بعسكريته الصارمة و إصراره التام علي الطاعة العمياء لكل الأوامر العسكرية التي تصدر للمعتقلين دون أدني مناقشة أو فهم و عقوباته الشديدة لكل من يخرق هذا المبدأ.

في الحالتين أنت لديك عدد من المعتقلين، لا حول لهم ولا قوة، يلاقون مزيج من الموت و الإهانة و العمل المرهق و لا حول لهم ولا قوة، فما الداعي لهذه العبارة التي تنافي الواقع بعنف؟ لم يؤدي العمل المرهق في معتقلات النازي إلي إطلاق سراح أي من الأسري أو حماية أي منهم من الموت.

هل هو عدم الإكتفاء بالطاعة العمياء و العبودية، بل لابد بالإضافة إلي هذا أن يقتنع المعتقلين بالمباديء النازية و أن يكون عملهم في المعتقلات عمل حماسي من أجل زيادة قوة و رفعة الإمبراطورية النازية؟ أم أنه نوع من الترديد الأحمق للمباديء النازية دون فهم أو وعي بالموضع المناسب لترديد هذه الشعارات.

في الأصل لا يقتنع النازييون بحق البشر غير النازيين في الحياة. ليس لهم الحق في الحرية و ليس لهم من داعي إلا أن يكونوا عبيداً ليديروا الآلة النازية العملاقة بينما إن إمرأة نازية أنجبت طفلاً فإن الإجراء التقليدي أن يذهب لها وفد من ضباط الجيش لتقديم الهدايا و الورود لها لأنها قامت بعمل بطولي هو إضافة فرد إلي الجنس الآري. بالتالي فلا داعي للعبارة من الأساس، لانها قد تنطبق علي الألمان الذين يزيدهم العمل حرية و لكن غير الآريين فليس لهم حرية من الأساس.

صرامة أيك العسكرية و إخلاصه الشديد لهتلر و كرهه لكل الأجناس الغير آرية كانوا مثار إعجاب هملر (قائد الجستابو و قوات الصاعقة)، فقام بترقيته من مدير معسكر داخاو إلي مسئول عن كل معسكرات الإعتقال النازية و هو ما سمح له بإصدار أمر وضع هذا الشعار الأحمق علي بوابات المعسكرات النازية. من شدة إعجاب هملر بأيك أصدر أمراً بأن ترفع تقارير أيك له مباشرة و أن يتلقي أيك أوامره من هملر مباشرة متجاوزاً التسلسل الوظيفي في قوات الصاعقة التي كان أيك ينتمي لها، فهل كانت هذه العبارة هي حالة متقدمة من نفاق السلطة؟ لابد من وضع الشعارات النازية في كل مكان بدون تمييز لتصدر التقارير عن مدي وفاء و إخلاص من قام بتعليق الشعارات و بالتالي ينتقل إلي مكانة أعلي؟

دائماً ما تساءلت عن أسلوب تفكير هؤلاء الذين يقومون بالتعذيب في المعتقلات، كيف ينظرون لأنفسهم ولما يقومون به. قراءتي لما كتب عن محاكمات قادة هتلر لم تكن مقنعة لأن كل شخص كان يبحث عن مبرر قانوني يخرجه من دائرة الإتهام، و لكنها لم تقدم لي ما أتمني أن أعرفه : ما الذي أدي لوصول هذا الشخص لما صار عليه؟ كيف ينظر لنفسه و كيف تنظر له زوجته و أبناؤه. كنت أظن أن سلوك النازيين (مثلهم مثل الإسرائيليين ) تبرره قناعتهم بأن جنسهم جنس سامي و باقي الأجناس ليس لها أي حق في أي شيء، ثم يأتي هذا الشعار ليعيد لي الحيرة و يدل علي أنه لا تزال هناك أشياء غير مفهومة في سلوك هذه الفئة من الناس.

يمكن لأي شخص أن يكتب قائمة بتصرفات البشر غير المنطقية. يمكننا إضافة هذا الشعار لهذه القائمة.