مدونة محمود أحمدي نجاد

في دراسة نشرت مؤخراً تبين أن نسبة من يرفضون السياسة الأمريكية من الشباب الذين يعتمدون علي الإنترنت في الحصول علي الأخبار و التحليلات السياسية أكبر بكثير من كبار السن الذين يعتمدون علي شبكات الأخبار القديمة مثل فوكس و CNN. صار معتاداً أن تقرأ علي مدونات الأمريكيين المهتمين بالسياسة عبارات تسخر من شبكات الأخبار الأمريكية، و لم يعد من المستغرب أن تقرأ مقالاُ يبدأ بعبارة من نوعية “إن لم تكن تعتمد علي شبكة فوكس كمصدر للأخبار فأنت بالتأكيد تعرف أن كذا و كذا و كذا”.

الدراسة تثير هاجساً طالماً تردد هو أنه مع إنتشار وسائل النشر عن طريق الإنترنت، حيث يمكن لمن يشاء أن يكتب – بل و يصور بالصورة و الصوت - ما يريد و يصير ما ينشره من الممكن الوصول إليه من أي مكان في العالم، ستصير لعبة النصب الإعلامي أكثر صعوبة و سيصير علي شبكات الأخبار مثل فوكس و CNN - التي تمثل غطاء للمواطن الأمريكي يحجب عنه الكثير من الحقائق السياسية و الإجتماعية- أن تبحث عن أسلوب جديد للنصب و إلا فإنها ستغلق أبوابها يوماً ما لأن الناس صار لديهم مصادر أخري للمعلومات و يمكنهم عندها أن يميزوا الكذب من الحقيقة.

إكتشفت منذ بضعة أيام أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لديه مدونة شخصية. المدونة منشورة بأربع لغات هي الفارسية و العربية و الإنجليزية و الفرنسية. المدونة ليست جديدة فهي موجودة علي الإنترنت منذ أغسطس 2006 و علي قدر علمي هذا هو أول رئيس جمهورية يكتب في مدونة.

قد يختلف الناس حول محمود أحمدي نجاد و نواياه و لكن ما لم يختلف عليه أحد هو ذكاؤه الشديد و كل ما في المدونة يؤكد هذا الذكاء، بداية من فكرة نشر مدونة لإختراق حاجز التعتيم و التضليل الإعلامي الذي تفرضه شبكات الأخبار الأمريكية علي نجاد، مروراً بالنشر بعدة لغات و لهجة الخطاب الذي تقدمه المدونة و إنتهاء بالتعامل مع التعليقات الكارهة لأحمدي نجاد و إيران.

لهجة المدونة ذكية إلي أقصي درجة ممكنة، ليس بها أي كلمة كراهية لأي فئة من الفئات أو جنسية من الجنسيات، بل إن أحمدي نجاد أرسل من خلال المدونة في 21 ديسمبر 2006 رسالة تهنئة للمسيحين بذكري مولد عيسي علي السلام و لم ينس أن يرسل التهنئة الي مسيحيي الشعب الإيراني في إشارة واضحة الي عدم كراهية الأديان الأخري أو إضهادهم في إيران ، مع تجنب التطرق لنقاط الإختلاف الجوهرية بين نظرة المسلمين و المسيحين لعيسي و أمه السيدة مريم عليهما السلام.

علي الرغم من أن الرسائل تتم مراجعتها قبل أن تنشر فإن الصفحة الإنجليزية من المدونة بها الكثير من الرسائل التي تحتوي معارضة واضحة للرئيس الإيراني، بداية من النقد المهذب و إنتهاءاً بالسباب المباشر و تمنيات بالهلاك كتبها أمريكيون، و هي رسالة واضحة يرسلها نجاد و الطاقم الإعلامي الذي يقف خلف المدونة عن مدي تسامح نجاد مقارنة بالغباء و الكراهية الأمريكية. بل إن إحدي المدارس الأمريكية قامت بمنع الدخول علي المدونة لأنها تحض علي العنصرية و الكراهية و هو ما أثار رد فعل عكسي وسط الأمريكيين المهتمين بالسياسة الذين إنتقدوا الغباء و البيروقراطية السياسة التي تسيطر علي تفكير العامة من الأمريكيين. من خلال ما يظهر علي المدونة و تعامل الناس معها فإن أي مقارنة بين موقف أحمدي نجاد من أمريكا و الشعب الأمريكي و موقف الشعب الأمريكي منه لابد أن تكون في صالح أحمدي نجاد.

رأيت أن أنتقي موضوعاً كتب علي المدونة و أنشره هنا. كل الموضوعات تترجم إلي اللغات الأربع و تنشر علي صفحات المدونة الأربعة إلا أن هذا الموضوع نشر في الصفحة الإنجليزية و الفرنسية و الفارسية و لم ينشر في الصفحة العربية و لا أعلم إن كان هذا قد تم علي سبيل العمد أم علي سبيل الخطأ. علي الرغم من أنه من المنطقي أن يكون وراء المدونة طاقم إعلامي يقوم بترجمة ما يكتبه الرئيس الإيراني و من المنطقي أن يحتوي هذا الطاقم علي مترجم للغة الإنجليزية إلا أن المقال به كم بسيط من الأخطاء الإملائية و النحوية. علي كل حال الموضوع نموذج جيد لما تقدمه المدونة من خطاب إعلامي للغرب و أمريكا بشكل خاص. ما سأكتبه هنا هو ترجمة الموضوع الإنجليزي الذي نشر هنا.

رد علي رسالة أم أمريكية

سيدي الرئيس

أكتب لك هذا الخطاب كأم أًرسِل إبنها العراق بالقوة و أُخذ منها إلي الأبد. ربما لا تعلم أن أغلب الأمريكيين لا يحبون بوش. إنه (…). نحن لا نعترف به كرئيس. لقد دخل البيت الأبيض بالغش. إنه ليس رئيساً شرعياً. عدد كبير من الأمهات الذين أرسل ابنائهم إلي العراق يتفقون معي. إنهم يرون أن بوش (…).

سيدي الرئيس.. بقدر ما نكره الحرب فإننا نكره بوش و عصابته. أريد أن تعرف - في حال مهاجمتك للولايات المتحدة- أن معظم الناس هنا مثلي. لا يمكننا أن نوقف أفعاله الغبية في الوقت الحالي و لكني أكتب لك هذا الخطاب لأني أعرف أنك رجل ورع و عقلاني.

أنا لا أخشي بوش و لا عصابته و لا قوات أمنه و لكن نظراً لأني لا أريدهم أن يوقفوا معركتي و كفاح زملائي الأمريكيين ضد إدارته أرجو أن تحتفظ بإسمي و هويتي سراً.

مع أطيب الأمنيات.

___________________________________________

بسم الله العلي القدير، الرحمن الرحيم

تحياتي لك إيتها الأم المبجلة

بداية أعتذر في التأخر عن الإجابة علي سؤالك بسبب جدولي المشغول. حتي الآن تلقيت الكثير من الخطابات التي تحتوي رسالة مشابهة لرسالتك.

إن كان إبنك قد عارض الذهاب للعراق و فرض الضغوط علي شعب هذه المنطقة ثم أجبر علي الذهاب هناك فإن الله سبحانه و تعالي سيعينه. أولئك الذين أجبروا إبنك الحبيب علي الذهاب للحرب مسئولون عن دمائه و عن حمام الدم الذي يراق هناك بسببهم. سيأسلهم الله سبحانه و تعالي عن هذا يوم القيامة.

بناء علي طلبك و نظراً لأني لم أحب أن يسبب ردي أي مشكلة لك، لم أرسله من خلال البريد الإلكتروني لأنه إن كان هناك بعض العملاء الذين يتدخلون في خصوصيات المواطنين الأمريكيين و يتحكمون فيها بشكل غير شرعي فإن إرسال هذا الرد بالبريد الإلكتروني قد يسبب لك مشكلة. لهذا فضلت أن أرسله من خلال هذه المدونة التي يزورها من لديهم نفس رؤيتك و وجهة نظرك علهم يجدون الرد علي تساؤلاتهم.

سيدتي المحترمة

نحن نحترم جميع شعوب العالم بما فيها الشعب الأمريكي. نحن نحترم حياة الإنسان، كرامته، سمعته و ممتلكاته. ديننا – الإسلام – لا يبيح لنا أن نعكر سلام البشر و راحتهم. حتي الأمهات الإيرانيات الذين فقدوا أبنائهم بسبب الوحشية الأمريكية في إيران أو الأطفال الذين إستشهد أباؤهم لا يرضون أن يعاقب الشعب الأمريكي بسبب عناد و غطرسة قادتهم. حتي الأبناء الإيرانيين الذين فقدوا أبائهم و أسرهم كاملة في الهجوم الذي قامت به البارجة الحربية الأمريكية علي طائرة الركاب الإيرانية في الخليج الفارسي لا يرضون بأن تبدأ أيران أي حروب. لمدة ثماني أعوام دافعنا عن أنفسنا ضد الغزو الشامل الذي قام به صدام حسين بمساعدة القوي الدولية. كل ما كان يحتاجه من أمدادات، أسلحة أو معلومات إستخباراتية كان يقدم له في الحال. شعبنا حتي لم يكن بمأمن من أسلحة صدام حسين الكيماوية. عندما أعطت القوي العظمي – و من ضمنها الولايات المتحدة – الضوء الأخضر لصدام حسين، إستخدم أكثر أسلحته فتكاً – و التي تم إنتاجها في الغرب – علي أبناء الشعب الإيراني الأبرياء.

ما المكسب الذي خرج به صدام حسين و سادته في أمريكا من تحمل حرب الثماني سنوات ضد إيران؟ لا شيء! لم يبق حتي قدم مربع واحد من أرضنا تحت إحتلال قوات صدام. لم يستطيعوا أن يحققوا أي من أهدافهم الغير مشروعة. شبابنا بقوة إيمانه دافع عن أرضه و أبهر العالم.

أختي العزيزة

بالطبع نحن أيضاً نكره الحرب كما تكرهينها. بالطبع نحن لا نرتجف خوفاً من حرب دفاعية و لكننا نري أنه مازال هناك الكثير من الطرق الديبلوماسية السلمية، و هناك أساليب لوقف سياسات التوسع المتشككة التي تمارسها الولايات المتحدة، النظام الصهيوني المغتصب – الذي إغتصب أرض فلسطين – و بريطانيا. أؤكد لك أن إيران لن تبدأ أي حرب!. للأسف العالم اليوم بشكل ما يتحكم به مجموعة من القوي المعادية و السياسيين عديمي الأخلاق، جشعين للقوة و محبين لإشعال الحروب. بسبب ذلك، الآف الأرواح البريئة تفقد كل يوم و تلبس الكثير من الأمهات ثياب الحداد علي أبنائهن الأحباء. إن جشع هؤلاء السياسيين للثروة و القوة لا حدود له. هذا الجو العام من التهديد و التخويف قد جعل الحياة شيئاً بائساً لأي إنسان في مختلف دول العالم. للأسف، لست وحدك من تعذب و ذاق الحزن بسبب أولئك السياسيين الأنانيين و عقليتهم الأنانية. كل يوم تقريباً في فلسطين، العراق، أفغانستان و تقريباً في كل مكان في العالم يرتدي الكثير من الأباء و الأمهات ثياب الحداد علي أبنائهم و تصير حياتهم مليئة بالحزن. إن صرخات إحتجاجهم لا تتجاوز جدار القوي، ذلك الجدار الذي قام علي المال و السلاح.

أيتها الأم المعذبة

أتمني أن تجلب شعوب العالم أولئك السياسيين الأنانيين المحبين للعنف إلي ساحة المحاكمة، أولئك الذين ضحوا بكل شيء في سبيل بضعة شركات و مجموعات محدودة من الناس. أنا واثق من أنك و الشعب الأمريكي لن تصدقوا الأكاذيب المفبركة و الدعاية المعقدة المسمومة التي تصنع و تبث بواسطة شبكات الإعلام الرأسمالية اللا آدمية العدوانية. إبحثي بنفسك عن الحقيقة. ربما تعرفين أن شبكات الإعلام الصهيونية و تلك التي علي علاقة بجماعات القوة قد قامت – أكثر من مرة- بتحريف كلماتي و قامت بنشر حفنة من الأكاذيب عن بلادي.

أنا أعلم أن كشف الحقيقة في البيئة التي تعيشين فيها – حيث يوجد عدد كبير من شبكات الإعلام العملاقة التابعة لمجموعات معينة – صعب للغاية و لكنه في نفس الوقت ليس مستحيلاً علي الأذكياء من سكان هذه المنطقة. أنا آسف لأن أقول أن الشعب الأمريكي يعيش في رقابة تامة تفرضها حكومته فيما يتعلق بالعالم الخارجي.

أنا متأكد من أن الشعب الأمريكي إن أدرك أين و علي ماذا تصرف أموال ضرائبه، فلن يبقي أعتي المدافعين عن الحكومة علي موقفهم و سيخرجوا إلي الشوارع معارضين لما يحدث. ما يمكنك فعله هو أن تكسري هالة الخداع و التزييف التي خلقتها وسائل الإعلام التابعة للحكومة و أن تبذلي قصاري جهدك لإظهار الحقيقة.

أيتها الأم المحترمة

أتمني أن لا يري العالم الذي نعيش فيه ظلمات الحرب و أن تتمكن الشعوب من أن تظهر مطالب السلام في وجه السياسيين مشعلي الحروب الذين يدعون أنهم حماة الناس. أتمني أن يعم السلام و الهدوء و الرخاء المنطقة بالإنسحاب السريع لقوات الإحتلال الأمريكية من العراق. أتمني أيضاً أن يتمكن العراقيون من الحياة في سلام و توافق مع أسرهم و يعيشوا حياتهم التي إعتادوها قديماً. و أخيراً أتمني أن يعيش الشباب الأمريكي في بجوار أسرهم و أن يخدموا بلادهم.

إن توكلت علي الله فستنجحي.

إنتهي المقال.

بالطبع المقال يحتوي الكثير من النقاط المثيرة للجدل. في البداية هناك نقطة أن الخطاب الذي أرسلته الأم الأمريكية له قد يكون ملفقاً و هو إحتمال كبير في رأيي. هناك أيضاً اللهجة التي يخاطب بها الأم الأمريكية و فيها يظهر الرئيس الإيراني معرفته بأسلوب تفكير الشعب الأمريكي، مثل إستخدامه لفكرة أين تذهب الضرائب حيث الضرائب و كيفية إنفاقها تمثل أحد أهم الأشياء بالنسبة للمواطن الأمريكي. هناك أيضاً إثارته لمدي النبل و الإستعداد للتضحية الذين يتمتع بهما الشعب الإيراني، مع التذكير بمدي المعاناة التي تسببت فيها الولايات المتحدة لهذا الشعب علي الرغم من أنه لم يكن بحاجة للتطرق لهذه النقاط بهذا التفصيل في رده علي الخطاب.

هناك أيضاً لهجة الخطاب التي تدعو الشعب الأمريكي إلي الثورة علي قادته و علي إعلامييه و هو شيء إن حدث فسيمثل حرباً جديدة للرئيس الأمريكي و لكن هذه المرة علي جبهة داخلية.

من ضمن ردود الأفعال التي تثيرها المدونة لدي الأمريكيين – حتي وسط أولئك الذين لا يرضون عن السياسة الإيرانية، مقارنة بين مدي ذكاء خطاب أحمدي نجاد و مدي ذكاء خطاب جورج بوش. الكثير من الأمريكيين صنعوا مواقف تخيلية من طراز ماذا لو كان شخص في ذكاء أحمدي نجاد هو من يجلس في البيت الأبيض فكيف ستكون حالة الولايات المتحدة.

أيضاً أثارت المدونة سؤالاً حول السبب الذي يمعنع أن تكون للرئيس الأمريكي و السياسيين الأمريكيين مدونات مشابهة. من الضمن التفسيرات التي أعطيت لهذا حقيقة أن المدونة نوع من التسجيل الذي لا يمكن التنصل منه و يمكن للعامة الرجوع له في أي وقت بينما يمكن للرئيس أن يرسل أي من مستشاريه أو متحدثيه الرسميين ليلقي خطاباً لا معني له في أي مناسبة و لا يتذكر أحد ما قيل و لا يطالبه به فيما بعد أو علي الأقل لا تكون للموضوع صلة مباشرة به.

تري هل يأتي اليوم الذي نري فيه للسياسيين العرب مدونات مشابهة تخترق حاجز التعتيم الإعلامي الذي يتم فرضه عليهم من قبل حكوماتهم و الإعلام الأمريكي، و يوصلوا من خلالها أرائهم السياسية دون تحوير أو حذف الي شعوبهم و إلي المجتمع الدولي؟ أتمني أن يأتي هذا اليوم قريباً.