كيف أتعلم كذا

أتلقي الكثير من الأسئلة التي تدور حول كيفية تعلم شيء معين، في معظم الأحيان هذا الشيء هو البرمجة لكن أحياناً ما تكون أشياء أخري لسبب لا يعلمه إلا الله و من يسأل هذه الأسئلة. لتجنب تكرار الرد كل مرة أكتب هذا المقال القصير.

هذه مجموعة من النصائح فيما يتعلق بالتعلم عموماً أيا ما كان المجال:

1-مناهج الكليات العالمية موجودة أون لاين، بالأسئلة أحياناً، بالتمارين، بالأهداف، بالمراجع، الخ. إبحث عن المنهج الذي يتم تدريسه في جامعة ما و إتبعه. عادة ما يكون المنهج أو المرجع مصحوباً ب perquisites ، أي المتطلبات، و هي الأشياء التي يفترض في الطالب أن يعرفها قبل أن يبدأ المنهج أو الكتاب (مستوي معين من إجادة الرياضيات مثلاً، الخ). هذه المناهج تضم أيضاً التدريبات العملية المطلوبة عادة (مثل التدريبات العملية التي يقضيها طلبة الطب - نوعها، عدد الساعات في كل تدريب، الخ).

2-الكتب متاحة أون لاين، نقد الكتب موجود علي جودريدز و أمازون، مع تعليقات القراء التي تبين أشياء كثيرة مثل سهولة الأسلوب، مدي العمق، هل يناسب المبتدئين أم المحترفين، الخ.

3-حاول أن تحتك بالمحترفين و تتابعهم، سواء بالعمل معهم إن أمكن، الدراسة علي يديهم، الإشتراك في مشاريع أون لاين، الإحتكاك من خلال منتديات الإنترنت، تتابع أعمالهم و مقالاتهم و محاضراتهم و مؤتمراتهم. هذا يتطلب من الأصل أن تعرف من هم المتميزين في مجال إهتمامك. هذا سيستغرق وقتاً و بحثاً و متابعة لمنتديات و مقالات و أبحاث. إن كنت تتبع القواعد السهلة مثل أن تصنف أي أستاذ جامعي علي إنه متميز في مجاله أو أي شخص قضي في المجال عشرين عاماً فأنت تعاني من مشكلة ليس لها علاقة بكمية ما عندك من معلومات، مشكلة فكرية.

 

لكن الأشياء التي ذكرتها بأعلي هي الأشياء الأقل أهمية. عموماً المشكلة ليست في كيفية إكتساب معلومة بل في كيفية إكتساب مهارة و أسلوب تفكير. المصريين عموماً يعانون من المشاكل التالية، و هي مشاكل ليس لها علاقة بكم المعلومات:

1-هم عاجزين عن التحرك بمفردهم. المصري يبحث دوماً عن النموذج الأبوي، الكبير الذي سنتعلق بجلبابه بينما هو يسحبنا بحكمته في الحياة. في أثناء بحثي لمدرسة لإبني، قابلنا ناظر مدرسة - في الثلاثينات من العمر ! - تكلم معنا عن أسلوب معاملتهم للطلبة، من ضمن ما قاله أنه بداية من مرحلة معينة، يضعون للطالب هدفاً يحققه في خلال شهر مثلاً، مجموعة من الدروس التي عليه أن يذاكرها في مختلف المواد و يتركوه ليدير جدوله بنفسه. المدرسين متاحين ليسأل فيما يريد و ليشرحوا له ما يحب لكن عليه هو أن يدير حياته ليصل لهذا الهدف في أخر المدة. قدرة الأطفال علي فعل هذا تختلف و المدرسين يتابعون الأطفال في تطورهم و يساعدون كل منهم علي تحقيق هدفه بحسب مهاراته و إستعداده الشخصي. إبني عنده سنتين و المدرسة مدرسة لمراحل التعليم الأولي و ليست مدرسة ثانوية مثلاً. قارن هذا بإحدي أستاذة الكلية عندنا و التي إختارت لبعض الطلبة لغة برمجة معينة لمشروعهم و أجبرتهم عليها لإنها (تعرف السوق أفضل منهم و تعرف المطلوب فيه). طبعاً هذه عبارة بها كم مهول من الأخطاء التربوية و التعليمية و حتي الإدارية، دعك من أنها كانت شخصية (من البيت للكلية و من الكلية للبيت) و السوق الوحيد الذي كانت تعرفه كان سوق الخضار علي حد تعبير أحد أصدقائي.

المصري و إن صار مراهقاً متمرداً علي الكبار ثم واحداً من هؤلاء الكبار فيما بعد، إلا أنه حين يريد شيء فعلياً فإنه يبحث عن من يأخذ بيده لهذا الشيء، خصوصاً لو كان هذا الشيء له علاقة بالدين أو التعلم. هو لا يسأل علي سبيل الإستماع لنصيحة و التفكير فيها و قبولها أو لا، هو يبحث عن النصيحة التي يتبعها غيباً دون تفكير. بديهي أنك إن سألتني عن أشياء لها علاقة بالبرمجة فإن أول ما سأقترحه عليك سيكون أفضل مما ستقضي أنت شهوراً في البحث عنه، لكن أنت تهمل ما ساهم في أن أصل أنا لما وصلت له، تهمل مئات الطرق المسدودة و عشرات المحاولات الفاشلة، و التي إن لم تنتج الهدف منها إلا أنها أنتجت أُثراً جانبياً في أسلوب تفكير، في معرفة مصادر و تكوين طرق للتعلم و الفهم. هذا أشياء لا تنتقل، إما أن تنميها بنفسك (و تنميتها تشمل أن تجرب و تخطيء عشرات المرات) و إما فلن تنميها أبداً ما حييت.

2-المصريين لا يقرأون عموماً. هم يبحثون عن كورس، محاضرة، ملخصات، أي شيء يجنبهم أن يفتحوا كتاباً. لتعرف المهارات الفكرية التي تنميها القراءة، يمكنك أن تقرأ هذا المقال.

3- من يقرأ فيهم يقرأ بالعربية و حين يحاول القراءة بالإنجليزية و يتعثر فإنه يتوقف. بشكل ما كل منهم يتوقع أن يصير أستاذ في الأدب الإنجليزي بوصفة سحرية ما، لكن أن يمسك كتاباً و يقضي فيه شهوراً لأنه يحاول أن يفهم الكلمات و التعبيرات و يبحث عنها فهذا ليس في قائمة تصوراته لتعلم الإنجليزية. كلما نصحت شخصاً بكتاب بالإنجيلزية فإن أول رد له يكون التساؤل عن نسخة عربية. حين أنصحك بكتاب بالإنجليزية فإني أعرف تماماً أن قراءته ستكون أصعب من قراءة كتاب بالعربية، أنا أطالبك بأن تبذل المجهود المطلوب و عموماً أتوقع أن تكون القراءة عملية مجهدة، في البداية علي الأقل. أنا أتلكم بالإنجليزية 8 ساعات يومياً منذ أكثر من عامين، منذ أكثر من 5 أعوام و أنا أقرأ بالإنجليزية عشر أضعاف ما أقرأ بالعربية أو أكثر، درجاتي في إختبار ال  IELTS، في الإستماع و التحدث علي وجه الخصوص مرتفعة للغاية، و علي الرغم من هذا مازالت العربية، لغتي الأم، أسهل في القراءة و الكتابة و الكلام، و لازال في كلامي بالإنجليزية لكنة واضحة. بالتالي حين أنصح بكتاب مكتوب بالإنجليزية فإني أطالبك بأن تتعب في قراءته. الإقتصار علي المصادر العربية يحرمك من كم هائل من المعارف الإنسانية في مخلتف مجالات الحياة.

4- ليس عندهم وعي بالذات self awareness. لا أحد يعرف بدقة ما يجيد و ما ينقصه، لا يعرف ما يناسبه و ما لا يناسبه. هذا غالباً ناتج عن النقطة الأولي. حين تعرف أسلوب تفكيرك، ما تحسن و ما لا تحسن، و سبب عدم إجادتك لكذا (نقص معلومة أم بسبب أنك غير موهوب في هذا الفرع) فإنك تستطيع أن تنتقي ما تدرس و كيف تدرسه و بالتالي تصل لنتائج أفضل.

5-تفسيراتهم سهلة لمشاكل معقدة. في إمتحان الماجيستير، جاء لأمي سؤال (ما هي أفضل وسيلة منع حمل لمريضة مصابة بالسكر). خرجت أمي من الإمتحان لتناقش مع زملائها فوجدت أن كل منهم أجاب إجابة مثل (الحبوب، الحقن، الخ). المشكلة أن السكر مرض معقد، هل هو وراثي أم لا؟ ما مدي تمكنه من المريضة؟ هل يستجيب للعلاج؟ ما نوع العلاج؟  ما سن المريضة؟ عوامل كثيرة جداً كلها تلعب دور في الإجابة، بالتالي إجابة سؤال كهذا تكون في عشرات السطور وليست كلمة محددة. كل من أجاب إجابة محددة هو مخطيء أيا ما كانت إجابته و مشكلته ليست نقص معلومة بل أسلوب تفكير من الأصل.

بالمثل حاول أن تري من يفسرون الأزمات الإقتصادية المعقدة مثلاً بإن (مصر تتعرض لمؤامرة)، أو (جشع التجار)، و ما يقترحونه من حلول بلهاء مثل (نقاطع سلعة كذا لمدة كذا يوم). في بلد مثل مصر، في مجال شديد التعقيد مثل الإقتصاد يخرج هؤلاء بهذه الحلول المريضة، و كلها لا يمكن من الأصل مناقشتها، لا يمكنك أن تشرح لأحدهم أن السبب لا علاقة له بمن يتآمر علي مصر، بل يجب أن تشرح له أن إقتراح حل أو تفسير بسيط لمشكلة معقدة هو أصل الخطأ، بغض النظر عن التفسير و الحل. هذا مقبول من غير المتعلمين مثلاً لكن حاول أن ترصد أسلوب التفكير هذا في من تعرفهم من (المتعلمين) و ستعرف أن أحداً منهم لم يتعلم بغض النظر عن ما يعرف من معلومات أيا ما كان قدرها.

6- لا يتحركون بناء علي أرقام و حقائق بل بالتخمين. من ضمن الأسئلة التي إعتدت أن أسئلها للناس في مقابلات العمل في مصر السؤال التالي: عندنا برنامج يفعل كذا و كذا و كيت و كيت، إكتشفنا أنه بطيء. ماذا نفعل لنجعل أداؤه مقبولاً؟ الرد عادة كان شيء من نوعية (نغير طريقة التعامل مع قاعدة البيانات و نستخدم كذا بدلاً من كذا). عظيم. من الذي قال أصلاً أن سبب المشكلة هو الجزء الخاص بالتعامل مع قاعدة البيانات؟

الإجابة التي أنتظرها هي أن نقيس أداء كل جزء من البرنامج و بناء عليه نحدد مصدر البطء. كيفية القياس يمكن أن نتناقش فيها، يمكن أن يكون فيها شخص قليل العلم و شخص كثير العلم، لكن المشكلة أصلاً أن أحداً لا يفكر في أن يقيس، هذا سؤال نادراً ما وجدت من يجيب عليه إجابة قائمة علي القياس و الأرقام و الحقائق، بل الكلام دوماً كان قائم علي الحدس و التخمين. أثناء إجراءي لإنترفيو في أمازون سألني أحدهم أن أضع تصميماً لجزء من موقع يؤدي بعض الوظائف. عندما ذكرت الأشياء التي يجب قياسها و متابعتها لإنها تعبر عن آداء الموقع سألني (إن كان عليك أن تختار شيء واحد فقط تقيسه من كل هذه الأشياء التي ذكرتها، ماذا تختار). بالتالي هو أصلاً يريد أن يختبر تقييمي لمدي أهمية كل عامل أقوم بقياسه، فما بالك بمن لا يتعامل بالأرقام من الأصل؟

 

قائمة مشاكل التفكير عند المصريين و بخاصة فيما يتعلق بالتعلم أطول من معلقات الجاهلية، ما كتبته بأعلي هو أول ما خطر ببالي حالياً. كلنا (بما فيهم أنا) نعاني منها بقدر أو أخر. هي مشاكل تتطلب من المرء أن يغير من نفسه و من أسلوب تفكيره، أن يجرب و يخطيء كثيراً و أن لا ينظر للتعلم علي أنه فقط معلومة يعرفها بل مهارات يكتسبها، و الفارق ضخم.