عن المؤسسات الأمريكية التي لا يمكن محاسبتها

في 17 يناير عام 1961 وجه الرئيس الأمريكي أيزنهاور خطاباً إلي الشعب الأمريكي أسماه خطاب الوداع. كان هذا آخر خطاب يلقيه كرئيس قبل أن يسلم السلطة إلي الرئيس الجديد جون كينيدي. كان مما قاله أيزنهاور في هذا الخطاب:

" … و هذا المساء فإنني جئت إليكم مودعاً و مستأذنا في الإنصراف، و في نفس الوقت فإن لدي بعض الهواجس التي أريد أن أفضي بها لكم حتي تشاركوني فيها و تحملوا أمانتها إن رأيتم صوابها….".

“… علي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية و فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية و مع أننا نتفهم الظروف التي أدت لنشأة هذه المجموعة فإننا لابد أن نحذر من وصولها إلي مواقع التأثير المعنوي و السياسي و العملي علي القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد علي المجتمع الأمريكي قبل أن يكون خطراً علي غيره…”.

“…و من سوء الحظ أن الثورة التكنولوجية التي تتدفق نتائجها علي عالمنا اليوم تساعد أطراف هذا المجمع الخطر و تزيد من قدراتهم و تمكنهم من السيطرة علي برامج الإدارة و مخصصات إنفاقها، خصوصاً أن قوة أموالهم توفر لهم تأثير فادح التكاليف علي مؤسسات الفكر و العلم….”.

هذه مقتطفات مما جاء في خطاب أيزنهاور كما جاء في كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل (الإمبراطورية الأمريكية و الإغارة علي العراق).

الوضع السياسي و الإقتصادي في أمريكا الآن هو وضع غير مألوف في أي حضارة أو إمبراطورية سابقة. في الماضي كان الإحتلال و إستخدام القوة العسكرية و النهب و القتل شيئاً معروفاً، و لكنه في البداية و النهاية كان من أجل الدولة أو الإمبراطورية التي أحياناً ما تكون ممثلة في الملك أو الملكة. علي سبيل المثال قام الإنجليز بغزو الهند و مصر و الكثير من الدول و إستغلوا خيرات هذه الدول، و لكن هذه الخيرات لم تعد علي شخص بعينه أو مجموعة أشخاص بل كان يعود علي المجتمع ككل، و قرار الحرب و التخطيط له كان قرار الدولة كلها و ليس قرار عدد من الأفراد.

Think Tanks:

في أمريكا في نهاية حكم أيزنهاور، بدأ ظهور ما يسمي اليوم بدبابات التفكير Think tanks و هي مراكز تقوم بإجراء الأبحاث و تعطي إستشارات إقتصادية و عسكرية و سياسية للإدارة الأمريكية. توجد هنا ثلاث مشاكل:

المشكلة الأولي أن نفوذ هذه المؤسسات رهيب و لا توجد صفة قانونية لمحاسبتها. الكثير من أعضاء هذه المؤسسات هم سياسيين من الوزن الثقيل و الكثير من الباحثين في هذه المؤسسات إنتقلوا فيما بعد إلي مراكز سياسية أمريكية، منهم علي سبيل المثال (ماك جورج باندي) مستشار الأمن القومي للرئيس كينيدي (من مؤسسة روكفلر) و هنري كيسينجر مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون و وزير الخارجية فيما بعد (من مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك) و زبجنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الشهير في عهد كارتر (من مؤسسة بوكينجز) و حتي كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي في عهد بوش ووزيرة الخارجية فيما بعد (من جماعة المشروع الأمريكي)، و هناك العديد من الأسماء الأخري التي لا يتسع المجال لذكرها.

مع هذا الوزن السياسي و الإقتصادي و العسكري فإن التوصيات و الدراسات التي تتقدم بها هذه الهيئات - و التي تشكل عاملاً أساسياً في القرارات السياسية و العسكرية الأمريكية- لا تخضع لأي رقابة من الكونجرس أو من أي هيئة شبيهة لأن هذا المراكز ليست لها أي صفة حكومية أو قانونية.

المشكلة الثانية أن هذه المراكز يمولها رجال أعمال و إقتصاديون (كما يظهر من إسم بعض هذه المراكز مثل مؤسسة روكفلر) و بالتالي فإن هذه المراكز تعمل علي إعطاء توصيات بما يتفق مع مصالح هذه الفئة القليلة من رجال الأعمال و ليس مع الصالح الأمريكي أو الدولي العام.

المشكلة الثالثة أن الكثير أعضاء هذه المراكز لم يدخلوا في تجربة حرب حقيقية. معظمهم من الجيل الجديد الذي تمثل الحرب بالنسبة له ضعطة زر و نور يومض علي شاشة جهاز، و محلليهم السياسيون هم أشخاص بلا خبرة عملية و لا يعرفون سوي بعض المعلومات و الأرقام. مشكلة السياسة و الإقتصاد أنها علوم لا يمكن التجريب فيها و لا يمكنك أن تكتفي بالمعلومات النظرية لتكون رأياً سليماً. في الفيزياء يمكنك أن تجري التجربة في المعمل مئات المرات و تقيس المعطيات و النتائج، أما في الإقتصاد و السياسة و العسكرية فإن عليك أن تنتظر ما يجود به التاريخ من أحداث، و عليك أن تقرأ مئات الآراء و النظريات المختلفة التي تحاول أن تفسر رأياً واحداً. علي سبيل المثال فإن الإقتصاديين إكتشفوا الكثير من الحقائق و وضعوا الكثير من النظريات الإقتصادية الجديدة عندما قامت الأوبك بمنع تصدير البترول لأمريكا في السبعينات لأنهم لم يكونوا قد رأوا موقفاً مشابهاً من قبل علي مر التاريخ.

أحد الميزات التي توفرت في أيزنهاور و جعلته ينتبه إلي هذه الهيئات و مدي رعونة تفكيرها أنه كان قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. هو شخص رأي الحرب القديمة التي يلتقي فيها إثنان من البشر وجها لوجه، عاش مع الجنود في الخنادق وشعر بويلات الحرب و جوانبها النفسية و الإجتماعية. بالإضافة إلي أن دوره كقائد لقوات الحلفاء كلها علمه كيف ينسق بين جماعات مختلفة و يديرها مع مراعاة الفوارق الإجتماعية و السياسية بين الشعوب.

الأمر تعدي مجرد هيئات بحثية و تحول إلي شركات تتخذ قرارات دولية تفسد و تخرب الدول الأجنبية لمصلحة بعض رجال الأعمال في أمريكا (و ليس لمصلحة أمريكا كدولة).

القاتل الإقتصادي:

في عام 2004 نشر جون بيركنز كتاباً صار في فترة قليلة أحد أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة الأمريكية. الكتاب إسمه (إعترافات قاتل إقتصادي Confessions of an Economic Hit man). في هذا الكتاب يحكي بيركنز مذكراته منذ أن تخرج من الجامعة و حتي وقت كتابة الكتاب.

عندما تخرج بيركنز من الجامعة بعد أن درس إدارة الأعمال إلتقي بأحد رجال وكالة الأمن القومي الأمريكي عن طريق والد زوجته. توسم فيه هذا الرجل أنه يصلح لوظيفة القاتل الإقتصادي فقام بعمل مقابلات له في إدارة الأمن القومي و قد تضمنت هذه المقابلات إختبارات بجهاز كشف الكذب.

في هذه المقابلات تعرف خبراء وكالة الأمن القومي علي نقاط ضعفه و العقد النفسية التي تكونت لديه نتيجة لظروف نشأته كطفل فقير قضي معظم طفولته في مدرسة داخلية. فيما بعد رشحه رجال وكالة الأمن القومي لشركة تشاس. ت. ماين Chas. T. Main – و هي شركة إستشارات هندسية- ليعمل لديها في منصب مخطط إقتصادي economic planner إلا إنها كانت مجرد وصف أكثر أناقة لوظيفة القاتل الإقتصادي.

وظيفة بيركنز يمكن أن تتلخص في فتح أسواق خارج أمريكا لتحقق من خلالها الشركات الأمريكية مكاسب هائلة بطرق غير شرعية. لنفهم بدقة معني كلمة قاتل إقتصادي، يمكننا أن نحكي دور بيركنز في إندونيسيا.

في أوائل السبعينات كان من الواضح أمريكا قد خسرت الحرب في فيتنام. في ذلك الوقت كانت هناك نظرية سياسية شائعة في الأوساط السياسية الأمريكية هي نظرية الدومينو Domino Theory، و التي تتلخص في أن الدولة التي تسقط في قبضة الشيوعية تعدي الدولة المجاورة لها و تنقل لها الشيوعية، تماماً مثل ما يحدث عندما نرص قطع الدومينو بجوار بعضها البعض في وضع قائم. ما أن تسقط أول قطعة حتي تتسبب في سقوط باقي القطع تباعاً.

هي نظرية وضعت كنوع من التبرير العلمي للبلطجة – آسف و لكني لا أعرف لفظ بنفس المعني في العربية الفصحة- الأمريكية و إعطاء أمريكا الحق في التدخل العسكري و السياسي و الإقتصادي في أي دولة بدعوي حماية نفسها من الزحف الشيوعي الذي قد يطول أمريكا تبعاً لهذه النظرية.

بسبب الهزيمة العسكرية في فيتنام و طبقا لنظرية الدومينو، كان من الضروري لأمريكا أن تدخل جنوب شرق آسيا و تفرض سيطرتها بطرق غير عسكرية. وقع الإختيار علي إندونيسيا لأن لديها الكثير من النفط و الكثير من السكان و أكثرهم من المسلمين.

الفكرة هنا أن أندونيسيا تنال قرضاً من البنك الدولي. هذا القرض يذهب لإنشاء شبكة الكهرباء في إندونيسيا، و التي تقوم بإنشائها شركة أمريكية - هي الشركة التي يعمل بها بيركنز. القرض قيمته كبيرة و فوائده رهيبة بشكل يضمن أن تزحف تحت وطأته إندونيسيا لفترة طويلة، إذ أن أمريكا و البنك الدولي سياخذون البترول في مقابل تقديم تسهيلات لإندونيسيا لسداد القرض حين تزداد وطأته عليها، أو يكون علي إندونيسيا تقديم تنازلات سياسية للولايات المتحدة الأمريكية.

الوفد الذي ذهب مع بيركنز لم يكن يدري شيئاً عن هذه اللعبة. هم مجموعة من المهندسين و التقنيين الذين يقومون بما إعتادوا أن يفعلوه دوماً: تصميم شبكة كهرباء عملاقة. بيركنز كان يقوم بالتقييم الإقتصادي للقرض المطلوب و التنسيق مع مسئولي البنك الدولي، مع رشوة المسئولين في إندونيسيا ليوافقوا علي الصفقة. بالطبع لابد من أن يكون التقييم الإقتصادي للمشروع مبالغاً فيه إلي درجة رهيبة لكي تزيد قيمة القرض و بالتالي تحقق اللعبة هدفها.

الدور نفسه قام به بيركنز في الكثير من دول العالم، كولومبيا، الإكوادور، بنما، مصر، السعودية، الخ. علي الرغم من أن اللعبة نفسها تتكرر مع بعض التغيررات من دولة الي أخري إلا أن هناك بعض الأشياء الجديرة بالذكر مما قاله بيركنز في كتابه.

البنك الدولي:

ذكر بيركنز أنه إلتقي بروبرت ماكميلان مدير البنك الدولي عدة مرات، و قد أثني عليه ماكميلان أكثر من مرة. بالتأكيد ماكميلان كان علي علم بالدور القذر الذي يلعبه بيركنز و أمثاله، فكما قال بيركنز فإن الكثير من خبراء البنك الدولي ليسوا سيئين أو فاسدين و لكن من يحتلون المناصب العليا هم الفاسدون و هم من يتعاون مع القتلة الإقتصاديين العاملين في الشركات الأمريكية. علي حد تعبير بيركنز: “يمكنك أن تكون خبيراً من خبراء البنك الدولي و تحمل الدكتوراه في الإقتصاد. يمكنك أن تراجع تقديراتي الإقتصادية المبالغ فيها و ترفضها و سأصر أنا علي رأيي و تقديراتي و عندها نصعد الأمر الي رئيسك الذي سيقر تقديراتي و تقاريري لأنه قاتل إقتصادي مثلي”.

حتي في المؤسسات الأمريكية العملاقة فإن الفساد حكر علي عدد قليل من القادة و الخبراء الإقتصاديين، باقي الناس لا يعرفون اللعبة و حتي إن عرف أحدهم و حاول أن يعيق الأرباح المهولة فإن الشركة تزيحه.

في أثناء تقييمه للمشروعات في إندونيسيا كان بيركنز يقوم بالتقييم الإقتصادي للموقف و هو بالطبع تقييم مبالغ فيه كما قلنا من قبل. شخص آخر كان عليه أن يقيم كمية الطاقة التي تحتاجها إندونيسيا و التي سيوفرها هذا المشروع وقد قام هذا الشخص بتقييم سليم للموضوع. المشكلة أن التقييمين لابد أن يكونا مترابطين بشكل ما لأن كمية الطاقة المطلوبة تتناسب مع النمو الإقتصادي في البلاد و مع قيمة القرض الذي ستحصل عليه من البنك الدولي و يذهب إلي الشركة.

حاول بيركنز أن يناقش مع زميله تقييمه للطاقة التي يفترض من المشروع أن ينتجها و أصر زميله علي رأيه لأنه لم يكن يعرف اللعبة التي يلعبها بيركنز. حين عادا إلي مقر الشركة في أمريكا تم رفد زميله و إعطاء صلاحياته و مسئولياته لبيركنز و تم المشروع.

السعودية:

في السبعينات إستغلت الأوبك قدرتها و منعت النفط عن أمريكا لسياستها مع إسرائيل، و قد أدي هذا إلي أزمة لم يدركها أو يشعر بها الكثير منا إلا أنها مازالت تمثل ذكري سيئة لحالة من الشلل و الغلاء تركت أثرها في النفسية الأمريكية و الأدب الأمريكي الذي كتب في هذه الفترة.

لتلافي تكرار هذا الموقف في المستقبل فكر الأمريكيون في السيطرة علي السعودية لأن السيطرة علي السعودية تضمن السيطرة علي الأوبك. هي ليست سيطرة سياسية و لكن السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم. إن فكرت إحدي دول الأوبك في الإمتناع عن بيع البترول لأمريكا و لم تمتنع السعودية فإن هذه الدولة ستجد نفسها في مأزق إقتصادي لا بأس به.

المشكلة أن لعبة الديون المبالغ فيها لن تفلح مع السعودية بسبب ضخامة إنتاجها النفطي التي تعني عدم حاجتها لأي دين مهما كان حجمه. لابد من تعديل اللعبة بشكل ما.

الإتفاق الذي قام به القتلة الإقتصاديون الذين كان بيركنز أحدهم – إستدعي الأمر عدد من القتلة الإقتصاديين من أجل إقناع عدد كبير من الأمراء بالموضوع – هو أن يستثمر السعوديون أموال البترول في سندات الخزانة الأمريكية و هي الأموال التي بلغت عدة مئات من المليارات حالياً. أرباح هذا المال سيتم الإنفاق منها علي مشروعات التنمية و التحديث في السعودية الذي ستقوم به شركات أمريكية – من ضمنها شركة بيركنز. في المقابل تضمن الولايات المتحدة الأمريكية الحكم لآل سعود ما داموا ملتزمين بجانبهم من الإتفاق، و هو الإتفاق الذي ما زال سارياً حتي اليوم حسب قول بيركنز.

من النقاط المثيرة للإهتمام هو أن من قدم بيركنز و زملاؤه من القتلة الإقتصاديين للأسرة المالكة السعودية كان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الشهير، و هو أحد أشد الداعيين لفكرة أن ما حدث من نقص البترول في السبعينات لا يمكن أن ندعه يتكرر في مستقبل أمريكا مرة أخري.

هذا الإتفاق به أكثر من ميزة. أولاً الأموال التي سيستثمر السعوديون أرباحها في مشروعات تقوم بها شركات أمريكية هي ليست أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، و بالتالي يمكن دفعها لشركات أمريكية تقوم بمشروعات تنمية دون رقابة من أي هيئة أمريكية مثل الكونجرس.

ثانياً وجود الأموال السعودية في أمريكا يضمن السيطرة علي الأمراء السعوديين و ضمان إستمرار السعودية في تزويد أمريكا بالبترول.

عمر توريهو:

في السبيعينات أراد الأمريكيون السيطرة علي قناة بنما. ذهب بيركنز إلي بنما ليقوم بمهمته المعتادة. إلتقي بيركنز بعمر توريهو رئيس بنما وقتها، و هو أحد أكثر الشخصيات إحتراماً و إخلاصاً، و شخصية كاريزمية من الطراز الأول علي حد قول بيركنز. قال توريهو لبيركنز : " أنا أعرف الدور الذي تقوم أنت و أمثالك به و لن أسمح لك بأن تلعبه هنا. إما أن تأتي بمشروعات تعود علي الشعب بالفائدة و إما فلا إتقاف بيني و بينك".

قال بيركنز إن عمر توريهو لم يكن فاسداً و لم يكن قابلاً للإفساد و بالتالي هو يمثل هدم للنظام. النظام يفترض و يقوم علي أن من يحتلون المناصب العليا فاسدون بشكل أو بآخر. حين يأتي شخص ما و يهدم هذه القاعدة فإنه يمثل تهديداً للنظام في باقي الدول الأخري، و نموذجاً لكيفية رفض الهيمنة الأمريكية يمكن أن يحتذيه آخرون و بالتالي تم تفجير طائرة عمر توريهو عام 1981 بأيدي (أبناء آوي The jackals)، و هو تعبير أمريكي عن رجال الإغتيالات التابعين لل CIA. كما يقول بيركنز فإن ال jackals يتحركون تجاه أي قائد أو رئيس لإغتياله أو تنظيم إنقلابات ضده إن رفض أن يكون فاسداً بشكل يسمح للشركات الأمريكية بتحقيق أرباحها المهولة. إن فشل ال jackals فإن الخطوة الأخيرة هي إعلان الحرب عليه كما حدث مع صدام حسين.

قال بيركنز إن العديد من القتلة الإقتصاديين حاولوا الوصول لصفقات مماثلة لما حدث في السعودية مع صدام حسين إلا أنه رفض تماماً. هو لم يكن شخص ذو أخلاق مثل عمر توريهو إلا أنه في نفس الوقت رفض أن يكون تحت السيطرة الأمريكية بنفس الطريقة.

حاول رجال ال CIA تنظيم إنقلاب ضد صدام إلا أن إحكام سيطرته علي البلاد حال دون هذا. حاولوا إغتياله أيضاً و لم يفلحوا و بالتالي بقي الخيار الأخير و هو الحرب و هو ما حدث بالفعل.

كولومبيا :

في كولومبيا حاول الأهالي إيقاف المشروعات الأمريكية في أراضيهم. هم يعلمون بفساد الحكومة و بأن المشروعات التي تقام هي مشروعات لخدمة رجال الأعمال لتزيدهم ثراء علي حساب الفقراء الذين سيتعرضون لضياع بيوتهم و أراضيهم التي ستقام عليها المشروعات التي تنفذها الشركات الأمريكية.

الشيء الطريف في الموضوع و الذي لم نذكره بعد أن كل شركة من هذه الشركات الأمريكية العملاقة تضم تحت لواءها شركة أو أكثر من شركة للخدمات العسكرية، و هو تعبير أنيق بديل لكلمة مرتزقة. علي سبيل المثال شركة KBR للخدمات العسكرية تابعة لمجموعة هاليبرتون الشهيرة التي تضم شركات بترول و مقاولات عملاقة و التي يرأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي.

هؤلاء المرتزقة هم أشخاص غير أمريكيين، أستراليين و أفارقة و أشخاص من جنيسيات متعددة، لا يدفعون ضرائب – وبالتالي هم غير مسجلين في السجلات الأمريكية – و يقومون بأعمالهم علي أراضي غير أمريكية و بالتالي فإن الكونجرس أو أي هيئة قضائية أمريكية لا يمكنها محاسبتهم علي ما يفعلونه. هؤلاء المرتزقة يقومون بعمليات الإغتيال و الإرهاب و القمع لكل أشكال المعارضة الشعبية للمشروعات التي تقوم بها الشركات الأمريكية خارج أمريكا.

حين حاول الكولومبيون التصدي لهذه الشركات تدخل المرتزقة. لكي يرد الكولومبيون هجوم هؤلاء المرتزقة لابد لهم من مال و سلاح و تدريب علي السلاح.

ليحصل الكولومبيون علي المال إنتشرت تجارة و زراعة المخدرات في كولومبيا. بالطبع إستمر البعض في هذه التجارة كمصدر للثراء و تحول الأمر إلي مافيا كما يظهر في الأفلام الأمريكية إلا أن جانبا ضخماً من هذه التجارة بدأ و إستمر لتمويل حركات التحرر من سيطرة الشركات الأمريكية.

ليحصلوا علي السلاح و تدريب علي إستخدام السلاح، إضطر الكولومبيون لتكوين علاقات مع منظمات إرهابية من ضمنها القاعدة. هم لا يريدون الإرهاب لأسباب أيديولوجية بل يريدون فقط أن يحصلوا علي سلاح و تدريب علي إستخدام هذا السلاح لمواجهة مرتزقة الشركات الأمريكية، إلا أن هذه الحقيقة لا تذكر في التقارير التي تُنشر عن علاقة الكولومبيين بالمنظمات الإرهابية.

بإختصار، أدي وجود الشركات الأمريكية إلي إيجاد وضع خاطيء أدي الي المزيد من الأوضاع الخاطئة في متوالية هندسية لا تبدو لها نهاية.

خاتمة:

قال الله سبحانه و تعالي علي لسان ذي القرنين:

" قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا".

الثواب و العقاب في الدنيا هو أحد الضرورات التي لا تستقيم بدونها الحياة. أن يكون لديك شخص أو أشخاص لا حساب عليهم و لا رقيب لا يمكن أن يؤدي إلا إلي كارثة لأن البشر ليسوا ملائكة و ليسوا جميعاً ذوي خلق و بالطبع ليسوا جميعاً متقين لله.