الإسلام و إنسانية الإنسان

في الإسلام يدفع المرء الزكاة إن وصلت ثروته حد معين أو وصل دخله المنتظم حداً معيناً. ما لا يعرفه الكثير من الناس أن الإنسان في الإسلام ليس له إلا وضع من إثنين: إما دافع للزكاة أو متلقي للزكاة. بمعني أنه إن كان الحد الذي يدفع عنده المرء زكاته خمسة آلاف جنيه شهرياً مثلاً (لا أعرف الأرقام بالتحديد و هي تختلف من وقت لآخر و مجتمع لآخر)، فإن شخصاً دخله ثلاثة آلاف جنيه يستحق الزكاة حتي يصل دخله لحد الزكاة (خمسة آلاف)، أي أنه يستحق ألفين جنيه شهرياً كزكاة.

ربما يفكر البعض أنه يكفيه أن له دخلاً يكفل له الطعام و الشراب و لكن في الإسلام الهدف ليس فقط إشباع إحتياجات الإنسان من الطعام و الشراب بل و إشباع الحاجات الإنسانية التي تصنف في خانة الرفاهية لأن الإنسان ليس حيواناً بل هو أرقي و أكثر إحتياجاً من الحيوان، و الإسلام يهتم بإشباع إنسانية الإنسان.

هذه الفكرة عرفتها من كتاب سيد قطب (العدالة الإجتماعية في الإسلام) و هي إحدي الأفكار التي لم أجد من ناقشها بينما تفرغ الناس لمناقشة أفكاره المتعلقة بتكفير المجتمع و ما إن كان تراجع عنها أم لا إلي آخر هذه الأشياء. هذه واحدة من الأفكار التي صارت مؤسسة لتفكيري منذ زمن بعيد و أري أنها نقطة أساسية في الحكم علي الكثير من المواقف و السياسات و عامل مهم في قبول أو رفض الكثير من الأفكار و السلوكيات و الأهم من هذا في فهم النصوص الدينية و تفسيرها.

يري البعض أن الحديث القائل “أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ” مبرر لرفض طلب الطلاق المقدم من الزوجة التي تزوج زوجها بغيرها بينما هو لا يؤذيها أو يقصر في حقها. هذا الفهم هو فهم الضرر الواقع علي البشر في إطار الأضرار الجسدية و المادية فقط ولا ينظر لإنسانية الإنسان كما تنظر لها الزكاة، لا ينظر لأن الضرر النفسي يمكن بسهولة أن يصنف في نطاق الأضرار التي يمكن علي أساسها قبول الطلاق ولا ينظر لأن الناس تتفاوت فيما تعتبره ضرراً أو بأساً.

أحد أصدقائي سافر إلي هولندا و عند ركوبه الأتوبيسات العامة، لاحظ أن مقاعد الأتوبيسات هناك تتنوع في الأتوبيس الواحد، هناك مقعد أمامه فراغ، هناك مجموعة من المقاعد المتقاربة، هناك مقاعد مرتفعة، مقاعد منخفضة، ألوان مختلفة للمقاعد الخ. الفكرة أن هناك تنوعاً في إحتياجات البشر بالتالي تتنوع المقاعد، هناك مقاعد متقاربة لو كنت تركب الأتوبيس مع عدد من أصدقائك و ترغبون في الجلوس سوياً، هناك مقاعد أمامها فراغ لمن جاء وحيداً و يحب العزلة و الهدوء، هناك مقاعد مرتفعة للطوال أو من يحتاجونها لمشاكل في المفاصل، الخ.

لولا فهمي لنظرة الإسلام للإنسان لكان من الممكن أن أنظر للموضوع علي أنه رفاهية زائدة و سفه، و لكن عند أخذ فكرة مراعاة أن للإنسان إحتياجات أعلي من مجرد الأكل و الشرب و الإنتقال، إحتياجات أرقي، فإني إحترمت هذه النقطة كثيراً.

أنا لم أسافر أوروبا أو أمريكا و لكن بناء علي ما قرأت و سمعت، تكون لدي إنطباع عندي بأن الأوروبيين أكثر إحتراماً لإحتياجات الإنسان التي تفرقه عن الحيوانات، و يظهر هذا في سجونهم، في وسائل مواصلاتهم، في نظم التأمين الإجتماعي و الصحي، الخ.

الشخص الذي لم يشبع إحتياجاته الإنسانية لا يمكن أن يكون إنساناً كاملاً، إنساناً راقياً باحثاً عن القيم و الجمال و الفكر. أنت تحتاج لحد أدني من الرفاهية بعده يمكنك أن تبدع علي الجانب الروحي و الإبتكاري و الأخلاقي و الفكري، أي بعبارة أخري تمارس عمارة الأرض.